الجواب : حسن المرأة وجمالها ليس فقط في وجهها ولكن المرأة خلقها الله
تعالى مرغوبة للنكاح وتشتهيها النفوس حتى ولو كانت بنقابها ، والجمال في المرأة لا
يرجع فقط لجمال الجسد وإنما هناك جمال المنطق والعقل والنسب وغير ذلك ، وليس في
هذه الآية دليل على سفور النساء وتبرجهن وذلك من عدة وجوه :
أولا : الآية ذُكرت في معرض من يريد الزواج من المرأة ، والخاطب يحل
له النظر إلى من يريد زواجها ، ويدل على هذا سياق الآية من أولها حيث قال تعالى :
" لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ
أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ۗ وَكَانَ
اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا " [الأحزاب: 52] .
قال
الإمام القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية :
[ الثالثة : قوله تعالى : ولو أعجبك حسنهن قال ابن
عباس : نزل ذلك بسبب أسماء بنت عميس ، أعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات
عنها جعفر بن أبي طالب حسنها ، فأراد أن يتزوجها ، فنزلت الآية ، وهذا حديث ضعيف
قاله ابن العربي .
الرابعة : في هذه الآية دليل على جواز أن ينظر
الرجل إلى من يريد زواجها . وقد أراد المغيرة بن شعبة زواج امرأة ، فقال له النبي
صلى الله عليه وسلم : انظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما . وقال عليه السلام
لآخر : انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا أخرجه الصحيح . قال الحميدي وأبو
الفرج الجوزي . يعني صفراء أو زرقاء . وقيل رمصاء .
الخامسة : الأمر بالنظر إلى المخطوبة إنما هو على
جهة الإرشاد إلى المصلحة ، فإنه إذا نظر إليها فلعله يرى منها ما يرغبه في نكاحها
. ومما يدل على أن الأمر على جهة الإرشاد ما ذكره أبو داود من حديث جابر عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى
ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل . فقوله : فإن استطاع فليفعل لا يقال مثله في الواجب .
وبهذا قال جمهور الفقهاء مالك والشافعي والكوفيون وغيرهم وأهل الظاهر . وقد كره
ذلك قوم لا مبالاة بقولهم ؛ للأحاديث الصحيحة ، وقوله تعالى : ولو أعجبك حسنهن .
وقال سهل بن أبي حثمة : رأيت محمد بن مسلمة يطارد ثبيتة بنت الضحاك على إجار من
أجاجير المدينة فقلت له : أتفعل هذا ؟ فقال نعم ! قال النبي صلى الله عليه وسلم :
إذا ألقى الله في قلب أحدكم خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها . الإجار : السطح ،
بلغة أهل الشام والحجاز . قال أبو عبيد : وجمع الإجار أجاجير وأجاجرة .
السادسة : اختلف فيما يجوز أن ينظر منها ، فقال
مالك : ينظر إلى وجهها وكفيها ، ولا ينظر إلا بإذنها . وقال الشافعي وأحمد :
بإذنها وبغير إذنها إذا كانت مستترة . وقال الأوزاعي : ينظر إليها ويجتهد وينظر
مواضع اللحم منها... ] اهـ.
ثانيا : الإعجاب بحسن المرأة وجمالها يأتي أيضا بوصفها لمن يريد زواجها
، ووصف حسن المرأة يكون عن طريق النساء حينما تصف امرأة جمال أخرى كأن السامع
يراها رأي العين فيرغب في نكاحها ، ولهذا
هناك نهي أن تصف المرأة امرأة أخرى لزوجها كأنه يراها رأي العين ، روى البخاري في
صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تُبَاشِر المرأة المرأة
فَتَنْعَتها لِزوجها كأنه ينظر إليها " . أي لا تَصِفُها لِزَوجها فتقع مِن
قلبه موقعا فيُفتن بها .
ومِن هذا الباب أيضا مَنْع النبي صلى الله عليه
وسلم الْمُخنَّث مِن الدخول على النساء ، فقد روى البخاري ومسلم عن أُمِّ سَلَمَةَ
رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
عِنْدَهَا وَفِي الْبَيْتِ مُخَنَّثٌ ، فَقَالَ الْمُخَنَّثُ لأَخِي أُمِّ
سَلَمَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ : إِنْ فَتَحَ اللَّهُ لَكُمْ
الطَّائِفَ غَدًا أَدُلُّكَ عَلَى بِنْتِ غَيْلانَ ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ
بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : " لا يَدْخُلَنَّ هَذَا عَلَيْكُنَّ " .
قال ابن حجر رحمه الله في "فتح
الباري" :
[ نَقل ابن بطّال عن المهلّب قوله : لَمَّا سَمِع
النبي صلى الله عليه وسلم وَصْف الْمُخَنَّث للمرأة بهذه الصفة التي تَهِيم نفوس
الناس ، مَنَع أن يَدْخل عليهن ؛ لئلا يَصِفهن للرِّجال فيسقط معنى الحجاب . قال
غيره : وفيه مِن الفِقه أنه لا ينبغي أن يَدْخُل على النساء مِن المؤنثين مَن
يَفْطن لِمَحَاسِنهن ويُحْسِن وَصْفهن.] اهـ
.
ثالثا : هناك خصوصية في شأن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أنه يجوز له
أن تعرض امرأة نفسها عليه ليتزوجها فتنال شرف كونها أم للمؤمنين وزوجة نبي في
الجنة ، وهذا خاص به وليس لسائر المؤمنين ، بل يجوز للرجل الصالح أن يعرض ابنته أو
أخته على الرجل الصالح للزواج منها ، وقد بوّب الإمام البخاري رحمه الله : (باب
عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح) ثم روى بإسناده إلى ثابت البناني قال : كنت
عند أنس وعنده ابنةٌ له . قال أنس : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
تَعْرِض عليه نفسها ، قالت : يا رسول الله ألك بي حاجة ؟ فقالت بنت أنس : ما أقل
حياءها . واسوأتاه واسوأتاه ! قال : هي خير منك ، رَغِبَت في النبي صلى الله عليه
وسلم فَعَرَضَتْ عليه نفسها .
قال ابن حجر رحمه الله في "فتح
الباري" :
[ جواز عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح رغبة في
صلاحه ، فيجوز لها ذلك وإذا رغب فيها تزوجها بشرطه .
وقال عن هذا الحديث وحديث سهل بن سعد : وفي
الحديثين جواز عَرْض المرأة نفسها على الرجل وتعريفه رغبتها فيه ، وأن لا غضاضة عليها
في ذلك ، وأن الذي تعرض المرأة نفسها عليه بالاختيار ، لكن لا ينبغي أن يُصرح لها
بالرد بل يكتفي السكوت . وقال المهلب : فيه أن على الرجل أن لا ينكحها إلاَّ إذا
وَجَد في نفسه رَغبة فيها. ] اهـ .
والله تعالى أعلم
|