العنف الأسرى " لقاء فضيلة الشيخ الدكتور / خالد عبد العليم متولي مع قناة الآن "
*** التعليق على واقعة قتل أب وابنه لابنته جراء شائعة تتهمها في سلوكها وهي من التهمة براء .
كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ، وارتكاب الكبائر مما لا شك فيه انتهاك لحرمات الله ، ولكن الله شرع الاتوبة وشرع الحدود وشرع القصاص ، وأمر في الوقت نفسه بالستر على العاصي وعدم إفشاء أمره حتى يُعطى الفرصة للتوبة ، وأمر ديننا بدرء الحدود بالشبهات حرصا على سمعة المسلمين ومبالغة في الستر على المسلم ، ورغبت السنة في ذلك كما صح في الحديث : " ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة " .
في هذه الواقعة نحن بين أمرين كثيرا ما يحدث الخلط بينهما وهما :
1- الانتصار للنفس والخوف من ألسنة الناس وإظهار النخوة والشجاعة بما يسمونه غسل العار .
2- الانتصار للشرع وتغليب الحق على الهوى .
وهنا يقف التقي الورع ليسأل نفسه قبل أن تصدر منه ردود أفعاله ، ماذا أفعل إذا زنت ابنتي أو زنى ابني ؟؟
الواجب شرعا طالما لم يصل الأمر لولي الأمر المنوط به إقامة الحدود :
· الستر عليه من الفضيحة حتى لا تشيع الفاحشة في المؤمنين ونعطي الفرصة للمذنب العاصي أن يتوب .
· علاج الأسباب المفضية إلى الوقوع في الكبيرة .
· النصيحة والدعوة للعفة بالحكمة والكلمة الطيبة .
-- شرعا نسأل : من المسئول عن إقامة الحدود ؟ أو السؤال : من هي جهة الاختصاص في القصاص وإقامة الحدود ؟
أجمع الفقهاء والعلماء على أن جهة الاختصاص في إقامة الحدود هي القضاء أو من يعينه ولي الأمر وليس أفراد الناس .
فالذي يقيم الحدود هو : الحاكم أو ولي الأمر أو من ينيب عنه هو الذي يقيم الحدود
* درء الحدود بالشبهات :
روى ابن ماجه عن أبي هريرة عن النبي قال : " ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم ، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله ، فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خير له من أن يخطئ في العقوبة " .
* مشروعية التستر في الحدود وأن يستر المسلم نفسه :
1- روى مسلم عن أبي هريرة عن النبي قال : " ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة " .
2- وفي قصة ماعز بن مالك الذي زنا فجاء إلى أحد الصحابة واسمه هزال فأقر له بالزنا فقال له : ائت رسول الله فأخبره بما صنعت لعله يستغفر لك ، فأقر عنده أربع مرات فأمر برجمه وقال لهزال : " لو سترته بثوبك كان خيرا لك " .
3- روى مالك عن زيد بن أسلم أن رسول الله قال : " يا أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله ، من أصاب شيئا من هذه القاذورات فليستتر بستر الله ، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله " .
* هل يتناسب عقاب الأب والأخ بقتل ابنته مع هذا الجرم ؟
ما فعله الأب والأخ بدافع الغيرة في الحقيقة هي غيرة على سمعته هو أولا قبل الغيرة على شرع ودينه ، فالغيرة على الدين تبدأ من التربية على التقوى ، ثم إذا زلت القدم فليس هو المكلف شرعا بإقامة الحد حتى ولو على ابنته وإنما هذا لولي الأمر أو القضاء فهما جهة الاختصاص ، فهو قد قتل نفسا بالظن والشبهة ووقع في ذنب آخر وهو قتل النفس بغير حق وهذه من الكبائر السبع الموبقات ، ولا سيما إذا لم تكن هذه هي اعقوبة المنصوص عليها شرعا ، فليس عقوبة الزنا القتل إلا للمحصن والمحصنة ، أما البكر ذكرا أو انثى فلا يقتل وإنما يجلد مائة جلدة .
كما ينبغي أن تتوافر بقية الأدلة من أربعة شهود كما نص القرآن الكريم ، وكأن هذا الشرط يكاد يكون تعجيزيا أن يجتمع أربعة ليروا واقعة الزنا مما يدل على رحمة الله بنا أون شرعه جاء حكيما يغلب جانب الستر والعفو على العقوبة والقصاص .
والأصل أيضا هو الستر عليه وليس فضيحته ، أما إذا بلغ اللأمر لولي الأمر والقضاء فهنا لا تصح الشفاعة ، ولا ينبغي تأخير إقاة الحد لأي أحد كائنا من كان .
وأين مبدأ التثبت من الشائعات ، ولماذا يؤخذ الأبرياء بالظنون والأوهام دون أدلة قاطعة ويقين تام ؟ ألم يأمرنا القرآن بمبدأ التثبت في قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " .
* قصة :
روى الشعبي أن رجلا أتى عمر فقال : إن لي ابنة أصابها حد من حدود الله فأخذت الشفرة لتذبح نفسها فأدركناها وقد قطعت بعض أوداجها فداويناها حتى برئت ، ثم أقبلت بعد توبة حسنة وهي تخطب إلى قوم فأخبرتهم من شأنها بالذي كان ، فقال عمر : أتعمد إلى ما ستر الله فتبديه ؟ والله لئن أخبرت بشأنها أحدا من الناس لأجعلنك نكالا لأهل الأمصار ، بل أنكحها نكاح العفيفة المسلمة " .( كنز العمال 2 / 150 ) .
* قصة :
أخرج عبد الرزاق عن صالح بن كُرز أنه جاء بجارية له زنت إلى الحكم بن أيوب قال : فبينا أنا جالس إذ جاء أنس بن مالك فجلس فقال : يا صالح ما هذه الجارية معك ؟ قلت : جارية لي بغت فأردت أن أرفعها إلى الإمام ليقيم عليه الحد ، فقال : لا تفعل ، رد جاريتك واتق الله واستر عليها ، قلت : ما أنا بفاعل ، قال : لا تفعل وأطعني ، فلم يزل يراجعني حتى رددتها . ( كنز العمال 3 / 94 ) .
* قصة :
روى أبو داود والنسائي أن أبا الهيثم كاتب عقبة بن عامر قال له : إن لنا جيرانا يشربون الخمر وأنا داع لهم الشرط ليأخذوهم ، قال : لا تفعل وعظهم وهددهم ، قال :إني نهيتهم فلم ينتهوا وأنا داع لهم الشرط ليأخذوهم ، فقال عقبة : ويحك لا تفعل فإني سمعت رسول الله يقول : " من ستر عورة فكأنما استحيا موؤودة في قبرها " .
* يقال : أن عدم اتخاذ موقف حاسم بالقتل سيؤدي إلى مزيد من تفشي مزيد من هذه الانحرافات :
الواقع يكذب هذا ، فالجرائم في ازدياد والجرأة على ارتكاب الفواحش في ارتفاع ، لأنه لا يلجم زمام الشهوة عن الوقوع في الحرام إلا الدين ، ولا يحفظ المسلم من التفريط والجرأة على الحرام إلا من خراب القلب وفساده وضعف الإيمان فيه .
القوانين كل يوم تزداد صرامة وشدة وتعقيدا ، ومعدلات الجريمة لا تنحسر بل في ازدياد ، فلم يحدث أن استطاعت أمة أن تحجم من اتساع الجرائم إلا بالإيمان والتقوى الذي يعصم النفوس ويحفظ الجوارح من الوقوع في الحرام .
* ما رأيكم بمن يلصق هذه الأفعال بالدين ؟
كثير من الناس نشأ وتربى على أعراف وتقاليد فاسدة فيظنها هي الدين وهي الشرف وهي عنوان الطهر والعفة والفضيلة بينما لا علاقة لها بالدين ، فالدين شرع الله ونعرف شرع الله من مصدريه : كتاب الله وسنة نبيه ، أما الأهواء وما يتعارف عليه الناس من أعراف فاسدة فهذه أساءت للدين حينما أُلصقت به وهو منها براء .
* هل هناك فرق بين خطيئة الشاب وخطيئة الفتاة ؟
كما أن هناك مساواة في التكاليف الشرعية والواجبات والحقوق والثواب والعقاب كذلك لا فرق في العقوبة بين خطيئة الشاب أو الفتاة ، بل إن الآيات التي ذكرت الحدود كالسرقة والزنا لم تكتف بالخطاب الذكوري بل أكدت علي الجنسين الذكر والأنثى :
· " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءا بما كسبا نكالا من الله " .
· " والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة " .
* هل الأب والأخ هما المتورطان وحدهما في الجرية أم هناك أطراف أخرى ؟
في الحقيقة الزنا قمة الشهوة ولا يمكن أن يحدث بغير إثارة ومقدمات ، فالزنا نتيجة لأسباب أفضت إليه ، وهذا ما يؤكده الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة عن النبي قال : " كتب على ابن آدم حظه من الزنا مدرك ذلك لا محالة ، العينان زناهما النظر ، والأذنان زناهما الاستماع ، واللسان زناه الكلام ، واليد زناها البطش ، والرجل زناها الخطا ، والقلب يهوى ويتمنى ، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه " .
فالمتورط في هذا :
· البنت نفسها التي تثير حولها الشبهات بتبرجها وسفورها الفاضح الصارخ الذي يثير الشهوات الكامنة ويحرك الغرائز الساكنة ، فهي أضرت بنفسها قبل أن يؤذيها غيرها ، ومن أدخل نفسه مدخلا يتهمه الناس فيه فلا يلومن إلا نفسه .
· الشاب الذئب البشري الذي أغراها وأغواها بمعسول الكلام والقول .
· المجتمع الذي يبالغ في فضح هذه الجرائم ويزيد عليها الشائعات .
* الوقاية خير من العلاج :
· " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك ازكى لهم " .
· " ولا تقربوا الزنا " .
1- الإدراك .
2- الوجدان .
3- النزوع ____ وهو الفعل نفسه .
زهرة جميلة نظرت إليها ، أعجبتك ، ذهبت لتقطفها ، وهنا يأتي المنع .
· الإيمان قوة دافعة وقوة عاصمة ، وبضعف الإيمان يتهاوى الإنسان أمام الشهوات الحرام ويصبح كسيارة بلا مكابح أو فرامل فيدمر نفسه ويدمر غيره . |